فصل: (سورة المعارج: الآيات 1- 18)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الزمخشري:

سورة المعارج مكية، وآياتها 44، نزلت بعد الحاقة.
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ

.[سورة المعارج: الآيات 1- 18]

{سأل سائِلٌ بِعذابٍ واقِعٍ (1) لِلْكافِرين ليْس لهُ دافِعٌ (2) مِن اللّهِ ذِي الْمعارِجِ (3) تعْرُجُ الْملائِكةُ والرُّوحُ إِليْهِ فِي يوْمٍ كان مِقْدارُهُ خمْسِين ألْف سنةٍ (4) فاصْبِرْ صبْرا جمِيلا (5) إِنّهُمْ يروْنهُ بعِيدا (6) ونراهُ قرِيبا (7) يوْم تكُونُ السّماءُ كالْمُهْلِ (8) وتكُونُ الْجِبالُ كالْعِهْنِ (9) ولا يسْئلُ حمِيمٌ حمِيما (10) يُبصّرُونهُمْ يودُّ الْمُجْرِمُ لوْ يفْتدِي مِنْ عذابِ يوْمِئِذٍ بِبنِيهِ (11) وصاحِبتِهِ وأخِيهِ (12) وفصِيلتِهِ الّتِي تُؤْوِيهِ (13) ومنْ فِي الْأرْضِ جمِيعا ثُمّ يُنْجِيهِ (14) كلاّ إِنّها لظى (15) نزّاعة لِلشّوى (16) تدْعُوا منْ أدْبر وتولّى (17) وجمع فأوْعى (18)}
ضمن سأل معنى دعا، فعدّى تعديته، كأنه قيل: دعا داع بِعذابٍ واقِعٍ من قولك: دعا بكذا. إذا استدعى وطلبه. ومنه قوله تعالى: {يدْعُون فِيها بِكُلِّ فاكِهةٍ} وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما: هو النضر بن الحرث: قال إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. وقيل: هو رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، استعجل بعذاب للكافرين. وقرئ. {سال سائل}، وهو على وجهين: إما أن يكون من السؤال وهي لغة قريش، يقولون: سلت تسأل، وهما يتسايلان، وأن يكون من السيلان. ويؤيده قراءة ابن عباس: {سال سيل}، والسيل: مصدر في معنى السائل، كالغور بمعنى الغائر. والمعنى: اندفع عليهم وادى عذاب فذهب بهم وأهلكهم. وعن قتادة: سأل سائل عن عذاب اللّه على من ينزل وبمن يقع؟ فنزلت، وسأل على هذا الوجه مضمن معنى: عنى واهتم. فإن قلت: بم يتصل قوله: {لِلْكافِرين}؟ قلت: هو على القول الأوّل متصل بعذاب صفة له، أى: بعذاب واقع كائن للكافرين، أو بالفعل، أى: دعا للكافرين بعذاب واقع. أو بواقع، أى: بعذاب نازل لأجلهم، وعلى الثاني: هو كلام مبتدأ جواب للسائل، أى: هو للكافرين.
فإن قلت: فقوله: {مِن اللّهِ} بم يتصل؟ قلت: يتصل بـ: {واقع}، أى واقع من عنده، أو بدافع، بمعنى: ليس له دافع من جهته إذا جاء وقته وأوجبت الحكمة وقوعه {ذِي الْمعارِجِ} ذى المصاعد جمع معرج، ثم وصف المصاعد وبعد مداها في العلو والارتفاع فقال: {تعْرُجُ الْملائِكةُ والرُّوحُ إِليْهِ} إلى عرشه وحيث تهبط منه أوامره {فِي يوْمٍ كان مِقْدارُهُ} كمقدار مدة {خمْسِين ألْف سنةٍ} مما يعد الناس. والروح. جبريل عليه السلام، أفرده لتميزه بفضله. وقيل: الروح خلق هم حفظة على الملائكة، كما أنّ الملائكة حفظة على الناس. فإن قلت. بم يتعلق قوله: {فاصْبِرْ}؟ قلت: بسأل سائل، لأنّ استعجال النصر بالعذاب إنما كان على وجه الاستهزاء برسول اللّه صلى الله عليه وسلم والتكذيب بالوحي، وكان ذلك مما يضجر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فأمر بالصبر عليه، وكذلك من سأل عن العذاب لمن هو، فإنما سأل على طريق التعنت، وكان من كفار مكة. ومن قرأ: {سال سائل}، أو سيل، فمعناه: جاء العذاب لقرب وقوعه، فاصبر فقد شارفت الانتقام، وقد جعل {فِي يوْمٍ} من صلة {واقِعٍ} أى: يقع في يوم طويل مقداره خمسون ألف سنة من سنيكم، وهو يوم القيامة: إما أن يكون استطالة له لشدّته على الكفار، وإما لأنه على الحقيقة كذلك. قيل: فيه خمسون موطنا كل موطن ألف سنة، وما قدر ذلك على المؤمن إلا كما بين الظهر والعصر. الضمير في {يروْنهُ} للعذاب الواقع، أو ليوم القيامة فيمن علق {فِي يوْمٍ} بواقع، أى: يستبعدونه على جهة الإحالة ونحن {نراهُ قرِيبا} هينا في قدرتنا غير بعيد علينا ولا متعذر، فالمراد بالبعيد: البعيد من الإمكان، وبالقريب: القريب منه.
نصب {يوْم تكُونُ} بـ: {قريبا}، أى: يمكن ولا يتعذر في ذلك اليوم. أو بإضمار يقع، لدلالة {واقِعٍ} عليه. أو {يوم تكون السماء كالمهل}. كان كيت وكيت. أو هو بدل عن {فِي يوْمٍ} فيمن علقه بـ: {واقع} {كالْمُهْلِ} كدردىّ الزيت.
وعن ابن مسعود: كالفضة المذابة في تلوّنها {كالْعِهْنِ} كالصوف المصبوغ ألوانا، لأنّ الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، فإذا بست وطيرت في الجو: أشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح {ولا يسْئلُ حمِيمٌ حمِيما} أى لا يسأله بكيف حالك ولا يكلمه، لأن بكل أحد ما يشغله عن المساءلة {يُبصّرُونهُمْ} أى يبصر الأحماء الأحماء، فلا يخفون عليهم، فما يمنعهم من المساءلة أنّ أصدقاءهم فيعرفونهم... الخ.
قال أحمد: وفيه دليل على أن الفاعل والمفعول الواقعين في سياق النفي يعم، كما التزم في: واللّه لا أشرب ماء من إداوة: أنه عام في المياه والأدوات، خلافا لبعضهم في الأدوات. بعضهم لا يبصر بعضا، وإنما يمنعهم التشاغل: وقرئ: {يبصرونهم}. وقرئ: {ولا يسئل}، على البناء للمفعول، أى: لا يقال الحميم أين حميمك ولا يطلب منه، لأنهم يبصرونهم فلا يحتاجون إلى السؤال والطلب.
فإن قلت: ما موقع {يبصرونهم}؟ قلت: هو كلام مستأنف، كأنه لما قال: {ولا يسْئلُ حمِيمٌ حمِيما} قيل: لعله لا يبصره، فقيل: {يبصرونهم}، ولكنهم لتشاغلهم لم يتمكنوا من تساؤلهم.
فإن قلت: لم جمع الضميران في {يُبصّرُونهُمْ} وهما للحميمين؟ قلت: المعنى على العموم لكل حميمين لا لحميمين اثنين. ويجوز أن يكون {يُبصّرُونهُمْ} صفة، أى: حميما مبصرين معرّفين إياهم.
قرئ: {يومئذ}، بالجرّ والفتح على البناء للإضافة إلى غير متمكن، و{من عذاب يومئذ}، بتنوين {عذابِ} ونصب {يوْمِئِذٍ} وانتصابه بـ: {عذاب}، لأنه في معنى تعذيب و{فصِيلتِهِ} عشيرته الأدنون الذين فصل عنهم {تُؤْوِيهِ} تضمه انتماء إليها، أو لياذا بها في النوائب {يُنْجِيهِ} عطف على {يفتدى}، أى: يودّ لو يفتدى، ثم لو ينجيه الافتداء. أو من في الأرض. و{ثم}: لاستبعاد الإنجاء، يعنى: تمنى لو كان هؤلاء جميعا تحت يده وبذلهم في فداء نفسه، ثم ينجيه ذلك وهيهات أن ينجيه {كلاّ} ردّ للمجرم عن الودادة، وتنبيه على أنه لا ينفعه الافتداء ولا ينجيه من العذاب، ثم قال: {إِنّها} والضمير للنار، ولم يجر لها ذكر، لأنّ ذكر العذاب دل عليها. ويجوز أن يكون ضميرا مبهما ترجم عنه الخبر، أو ضمير القصة.
و{لظى} علم للنار، منقول من اللظى: بمعنى اللهب. ويجوز أن يراد اللهب. و{نزّاعة} خبر بعد خبر لأنّ، أو خبر لـ: {لظى} إن كانت الهاء ضمير القصة، أو صفة له إن أردت اللهب، والتأنيث لأنه في معنى النار. أو رفع على التهويل، أى: هي نزاعة. وقرئ {نزاعة}، بالنصب على الحال المؤكدة، أو على أنها متلظية نزاعة، أو على الاختصاص للتهويل.
والشوى: الأطراف. أو جمع شواة: وهي جلدة الرأس تنزعها نزعا فتبتكها ثم تعاد {تدْعُوا} مجاز عن إحضارهم، كأنها تدعوهم فتحضرهم. ونحوه قول ذى الرمّة:
تدعو أنفه الرّبب

وقوله:
ليالي اللّهو يطبينى فأتبعه

وقول أبى النجم:
تقول للرّائد أعشبت أنزل

وقيل: تقول لهم: إلىّ إلىّ يا كافر يا منافق. وقيل: تدعو المنافقين والكافرين بلسان فصيح.
ثم تلتقطهم التقاط الحب، فيجوز أن يخلق اللّه فيها كلاما كما يخلقه في جلودهم وأيديهم وأرجلهم، وكما خلقه في الشجرة ويجوز أن يكون دعاء الزبانية. وقيل: تدعو تهلك، من قول العرب:
دعاك اللّه، أى: أهلكك. قال:
دعاك الله من رجل بأفعى

{منْ أدْبر} عن الحق {وتولّى} عنه {وجمع} المال فجعله في وعاء وكنزه ولم يؤدّ الزكاة والحقوق الواجبة فيه، وتشاغل به عن الدين، وزهى باقتنائه وتكبر.
دعاك، أى: أهلك اللّه بأفعى يقال: دعاه اللّه بالمكروه: أنزله به، ومن رجل: بيان واقع موقع الحال، أو تمييز مقترن بمن. لأن ما قبله فيه معنى التعجب، فيحتاج لتمييز جهة التعجب.
وقال بعض النحاة: قد يجيء التمييز لمجرد التوكيد، فيكون هذا منه، بأفعى بالتنوين: اسم للحية. وقيل ممنوع من الصرف، لأنه صفة للحية الشديدة السم، والذعاف: أى الشديد القاتل، ضئيل: ضعيفة مهزولة. والنفث: إخراج النفس مع بلل، وهو هنا إخراج السم الذعاف كغراب: المسرع القتل. ويحتمل أن (دعاك اللّه) من باب المجاز، كأن اللّه دعاه؟؟؟ لقتله بالأفعى. أو طلبه بأفعى أرسلها إليه لتحضره بإهلاكه. وخص المهزولة لأنها أشد إيذاء من غيرها، وقال ضئيل، مع أن موصوفه مؤنث على حد: إن رحمة اللّه قريب، والمذكر: أفعوان. ويروى (ينفث) على أن الأفعى واحد من الجنس فهو مذكر.

.[سورة المعارج: الآيات 19- 35]

{إِنّ الْإِنْسان خُلِق هلُوعا (19) إِذا مسّهُ الشّرُّ جزُوعا (20) وإِذا مسّهُ الْخيْرُ منُوعا (21) إِلاّ الْمُصلِّين (22) الّذِين هُمْ على صلاتِهِمْ دائِمُون (23) والّذِين فِي أمْوالِهِمْ حقٌّ معْلُومٌ (24) لِلسّائِلِ والْمحْرُومِ (25) والّذِين يُصدِّقُون بِيوْمِ الدِّينِ (26) والّذِين هُمْ مِنْ عذابِ ربِّهِمْ مُشْفِقُون (27) إِنّ عذاب ربِّهِمْ غيْرُ مأْمُونٍ (28) والّذِين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُون (29) إِلاّ على أزْواجِهِمْ أوْ ما ملكتْ أيْمانُهُمْ فإِنّهُمْ غيْرُ ملُومِين (30) فمنِ ابْتغى وراء ذلِك فأُولئِك هُمُ العادُون (31) والّذِين هُمْ لِأماناتِهِمْ وعهْدِهِمْ راعُون (32) والّذِين هُمْ بِشهاداتِهِمْ قائِمُون (33) والّذِين هُمْ على صلاتِهِمْ يُحافِظُون (34) أُولئِك فِي جنّاتٍ مُكْرمُون (35)}
أريد بالإنسان الناس، فلذلك استثنى منه إلا المصلين. والهلع: سرعة الجزع عند مسّ المكروه وسرعة المنع عند مسّ الخير، من قولهم: ناقة هلواع سريعة السير.
وعن أحمد بن يحيى قال لي محمد بن عبد اللّه بن طاهر: ما الهلع؟ فقلت: قد فسره اللّه، ولا يكون تفسير أبين من تفسيره، وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدّة الجزع، وإذا ناله خير بخل به ومنعه الناس.
والخير: المال والغنى، والشرّ: الفقر. أو الصحة والمرض: إذا صحّ الغنى منع المعروف وشحّ بماله، وإذا مرض جزع وأخذ يوصى. والمعنى: إن الإنسان لإيثاره الجزع والمنع وتمكنهما منه ورسوخهما فيه، كأنه مجبول عليهما مطبوع، وكأنه أمر خلقي وضروري غير اختيارى، كقوله تعالى: {خُلِق الْإِنْسانُ مِنْ عجلٍ} والدليل عليه أنه حين كان في البطن والمهد لم يكن به هلع، ولأنه ذمّ واللّه لا يذمّ فعله، والدليل عليه: استثناء المؤمنين الذين جاهدوا أنفسهم وحملوها على المكاره وظلّفوها عن الشهوات، حتى لم يكونوا جازعين ولا مانعين. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «شرّ ما أعطى ابن آدم شحّ هالع وجبن خالع».
فإن قلت: كيف قال: {على صلاتِهِمْ دائِمُون} ثم {على صلاتهم يحافظون}؟
قلت: معنى دوامهم عليها أن يواظبوا على أدائها لا يخلون بها ولا يشتغلون عنها بشيء من الشواغل، كما روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم «أفضل العمل أدومه وإن قلّ» وقول عائشة: كان عمله ديمة. ومحافظتهم عليها: أن يراعوا إسباغ الوضوء لها ومواقيتها ويقيموا أركانها ويكملوها بسنتها وآدابها، ويحفظوها من الإحباط باقتراف المآثم، فالدوام يرجع إلى أنفس الصلوات والمحافظة إلى أحوالها.
{حقٌّ معْلُومٌ} هو الزكاة، لأنها مقدرة معلومة، أو صدقة يوظفها الرجل على نفسه يؤديها في أوقات معلومة. السائل: الذي يسأل {والْمحْرُومِ} الذي يتعفف عن السؤال فيحسب غنيا فيحرم {يُصدِّقُون بِيوْمِ الدِّينِ} تصديقا بأعمالهم واستعدادهم له، ويشفقون من عذاب ربهم.
واعترض بقوله: {إِنّ عذاب ربِّهِمْ غيْرُ مأْمُونٍ} أى لا ينبغي لأحد وان بالغ في الطاعة والاجتهاد أن يأمنه. وينبغي أن يكون مترجحا بين الخوف والرجاء. قرئ: {بشهادتهم} و{بشهاداتهم}. والشهادة من جملة الأمانات. وخصها من بينها إبانة لفضلها، لأنّ في إقامتها إحياء الحقوق وتصحيحها. وفي زيها: تضييعها وإبطالها.